- 4 -
الإمام ناصر محمد اليماني
11 - 11 - 1430 هـ
30 - 10 - 2009 مـ
11:40 مساءً
ــــــــــــــــــ
فأين ذهب الرُسل الثلاثة الباقون من القوم جميعاً يا مُشبب ؟
بسم الله الرحمن الرحيم وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين. قال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ﴿١٧﴾الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [الزمر].
وقال الله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّـهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿22﴾ وَلَوْ عَلِمَ اللَّـهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴿23﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿25﴾} صدق الله العظيم [الأنفال].
فهل أنت يا مُشبب من أولي الألباب المُتدبرين لآيات الكتاب أم من أشرِّ الدواب الصُمّ البكم الذين لا يعقلون؟ وبالنسبة لكلمة {قَلِيل} سبقت فتوانا بالحقّ أنه حسب موضعها إما تكون إشارة للرقم ثلاثة أو لثلث وأغلبها الثلث، وتأتي حسب موضعها في قصص القرآن. حتى قول الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} وهي ثلاث ثواني من بعد أن حكم خليفة الله داوود عليه الصلاة والسلام بين الخصمين وكان يظنّهم من البشر حتى إذا قضى الحكم بينهم وبعد ثلاث ثواني فقط اختفوا من بين يديه ثم علم أنهم ملائكة. وقال الله تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ ﴿24﴾} صدق الله العظيم [ص].
فتدبر: {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ ﴿24﴾} صدق الله العظيم [ص]، أي قليل ما هم أي قليل من الوقت من بعد الحكم فما هم بين يديه ثم علم أنهم ملائكة من عند ربه وعلم من المقصود من ذلك كما سبق التفصيل من قبل {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ ﴿24﴾} صدق الله العظيم [ص].
ويقصد في هذا الموضع بقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} أي ثلاث ثواني فما هم؛ لأنهم اختفوا، وذلك حتى يعلم بالهدف من القصة وهم صاحب الغنم والحرث كما سبق التفصيل وأدرك داوود عليه الصلاة والسلام الهدف من القصة من بعد أن حكم بين الملكين المُختصمين وكان يظنّ أنهم من البشر وبعد أن قضى بحكمه بينهم: {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ ﴿24﴾} صدق الله العظيم [ص].
وأريد أن أجادلك فيما يُقرّب الفهم ونزيد الآخرين علماً ونهديهم إلى صراطٍ مُستقيمٍ، وحتى نتوصل إلى حقيقة رقم أصاحب الكهف فلنجعل الحوار في رُسل الله الثلاثة وقال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿١٣﴾ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ﴿١٤﴾ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴿١٥﴾ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴿١٦﴾ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٧﴾ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴿١٩﴾ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿٢٠﴾ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴿٢١﴾ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴿٢٢﴾ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴿٢٣﴾ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴿٢٤﴾ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿٢٥﴾ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴿٢٩﴾} صدق الله العظيم [يس].
فإذا كنت يا مُشبب من أولي الألباب فليس المطلوب منك إن كنت باحثاً عن الحقّ ولا تُريد غير الحقّ إلا أن تستخدم عقلك فتُفكّر من بعد التُدبّر لقصة هؤلاء الرُسل الثلاثة لأني أجد أصحاب هذه القصة قد اختفوا جميعاً فلم يبقَ أحدٌ ليخبر شأنهم للعالمين. وأدعوا أهل العقول أن يعوا ما أقول من القول الفصل وما هو بالهزل فآتيك بخبرهم جميعاً وأين ذهب جميع أصحاب هذه القصة فنستنبط ما يلي بالحقّ: أولاً لم أجد أنهُ صدّق بهؤلاء الرسل الثلاثة غيرَ واحدٍ فقط من قومهم والباقون كذبوهم أجمعون.
ونأتي إلى الرُسل الثلاثة فما الذي أجبرهم على الاعتزال والاختفاء عن قومهم والجواب من مُحكم الكتاب قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿١٣﴾ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ﴿١٤﴾ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴿١٥﴾ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴿١٦﴾ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٧﴾ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [يس]. وهُنا يجد الباحث أن كُبراء قومهم قد جعلوا رُسل ربهم بين خيارين اثنين: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم.
ويقصدون بقولهم: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾}، ويقصدون هو إما أن تنتهوا عمّا تدعوننا إليه فتعودون في ملتنا أو لنرجمنّكم ويمسّكم منا عذابٌ أليمٌ حتى الموت. فركز يا مُشبب ويا أولي الألباب عليكم بالتركيز على قصة نبيّ الله شُعيب حتى تستطيعوا أن تعلموا بإذن الله ما لم تكونوا به تعلمون، ولا أقصد أنهم أصحاب الكهف كلا بل أريدكم أن تعلموا شيئاً. وقال الله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴿٨٨﴾ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّـهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّـهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴿٨٩﴾ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴿٩٠﴾ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿٩١﴾الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ﴿٩٢﴾ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴿٩٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
وتبيّن لكم في هذه القصة أنّ الذين استكبروا من قوم نبيّ الله شُعيب قد وضعوا شُعيباً والذين آمنوا معه بين خيارين اثنين وهما: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}، وهذا قرارهم النهائي الذي استقر عليه قوم شُعيب تجاه شُعيب والذين آمنوا معه إما أن يعودوا في ملّتهم فيتركوا الدعوة إلى عبادة الله وحده أو سوف يتمّ إخراج شُعيب والذين آمنوا معه فيطردوهم من قريتهم وهذا قرار نهائي. ثم ردّ عليهم نبيّ الله شُعيب: {قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴿٨٨﴾ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّـهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّـهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴿٨٩﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
ومن ثم بدأ شُعيب بالشدّ للرحيل عن قومه ومن آمن معه، وأراد قوم شُعيب أن يُثبّطوا الذين آمنوا ونصحوهم أن لا يخرجوا مع نبيّ الله شعيب: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ ﴿90﴾} صدق الله العظيم [الأعراف]. ولكنهم لم يأبهوا لنصيحة قومهم فشدّوا رحالهم وخرجوا مع نبيّ الله شعيب عليه الصلاة والسلام ومن تبعه، وقد دعا اللهَ شعيبٌ عليه الصلاة والسلام حين خروجه هو والذين آمنوا معه وقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴿89﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
فانظروا للنتيجة: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿91﴾ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ﴿92﴾ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴿93﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
ونعود الآن إلى قصة الرسل الثلاثة وسوف نجد الخيار قد اختلف قليلاً لأنهم لم يقولوا كما قال كفار قرية شعيب: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} صدق الله العظيم [الأعراف]؛ بل قالوا: {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴿١٥﴾ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴿١٦﴾ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٧﴾ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [يس]. بمعنى إما أن تنتهوا من الدعوة إلى الله وحده فتعودوا في ملتنا أو {لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} صدق الله العظيم [يس].
ومن ثم فرّ الرسل الثلاثة بدينهم حتى لا يرجمهم قومهم أو يعيدوهم في ملّتهم ولذلك اختفوا عن قومهم في الكهف حتى يستيئس قومهم من العثور عليهم ثم يرحلون عن قومهم حتى لا يفتنونهم في دينهم، لأنهم حين افتقدوهم تمت مُطاردتهم في جميع طرق السفر الخارجة من القرية في جميع الاتجاهات ولكنهم فعلوا كما فعل محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه، ولم يُصدق الرسل الثلاثة إلا رجلٌ واحدٌ فقط من قومهم وبعد أن سمع بمُطاردة قومهم لرسل ربهم والقبض عليهم؛ قال الله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿20﴾ اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴿21﴾ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴿22﴾ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ ﴿23﴾ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴿24﴾ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿25﴾} صدق الله العظيم [يس].
فانظروا لتحديه بقول الحقّ لينتظر الشهادة في سبيل الله فقال متحدياً: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿25﴾}، وما كان من قومه إلا أن قاموا بقتله فوراً، {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿26﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿27﴾ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿28﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴿29﴾} صدق الله العظيم [يس].
إذاً يا قوم قد أهلك الله أصحاب القرية جميعاً من بعد مقتل الذي آمن. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿28﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿29﴾} صدق الله العظيم [يس].
والسؤال الذي يطرح نفسه فبعد أن وجدنا أنّ الرجل الذي آمن بالرسل الثلاثة قد قام قومُه بقتله ثم أهلك الله قومَه من بعد قتله جميعاً: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿28﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿29﴾} صدق الله العظيم [يس]. والسؤال الذي يطرح نفسه فأين ذهب الرُسل الثلاثة فهم الوحيدون الذين نجوا من أهل القرية لأنّ الرجل الذي آمن بهم قُتل والقوم دمرهم الله تدميراً: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿28﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿29﴾} صدق الله العظيم [يس].
فلم يبقَ منهم أحداً وبقي معنا الثلاثة الرسل أين ذهبوا؟ ثم تمّ البحث عنهم في الكتاب فوجدنا الجواب: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴿١٣﴾ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَـٰهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴿١٤﴾ هَـٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا ﴿١٥﴾ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴿١٦﴾ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ مَنْ يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴿١٧﴾ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴿١٨﴾ وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴿١٩﴾ إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴿٢٠﴾ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴿٢١﴾ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴿٢٢﴾ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا ﴿٢٣﴾ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّـهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا ﴿٢٤﴾ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴿٢٥﴾ قُلِ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
وأما قولك يا مُشبب على الله بغير علم فقلت: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} وقلت ولم يصف الله ذلك القول رَجماً بالغيب، ثم رد الله عليك وعليهم وقال: {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ﴿22﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
ويا مُشبب إني لم أجد قط أنّ الذين دعوا الناس إلى الله وترك عبادة الأصنام إلا الأنبياء، وذلك لأنّ الله لم يبعث رُسله إلا بعد أن يعبدوا الناس الأصنام. وقال الله تعالى: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿4﴾} صدق الله العظيم [فاطر].
بمعنى أنّ الله لا يبعث الرسل حتى يعبد الناس الأصنام. وقال الله تعالى: {مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ﴿43﴾} صدق الله العظيم [فصلت].
ودائماً تجدون المُحاجاة في عبادة الأصنام بين الرسل وأقوامهم في جميع القصص فيقولون أتريدوننا أن نعبد إلهاً واحداً ونذر آلهتنا التي وجدنا عليها آباءنا. وقال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴿5﴾} صدق الله العظيم [غافر].
وكذلك أصحاب الكهف وقومهم، أم لم تسأل نفسك من الداعية الذين آمنت به الفتية الذي يدعو قومه إلى ترك عبادة الأصنام وأن يعبدوا لله وحده، ولذلك قالوا: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴿١٣﴾ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَـٰهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴿١٤﴾ هَـٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا ﴿١٥﴾ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴿١٦﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
فمن الذي قال لهم: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} صدق الله العظيم [الكهف]؟ وذلك الرسول الذي آمنت به الفتية الذين اتّبعوه فجعلهم الله أنبياء وإن قاطعني مُشبب وقال: "إنهم فتيه آمنوا بربهم ويجوز أن يكونوا استجابوا لدعوة رسول من ربهم ولكنهم لا ينبغي أن يكونوا رسل مع رسول ربهم وإنما آمنوا برسول ربهم". ثم نُرد عليه بالحق ونقول قال الله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} صدق الله العظيم [26:العنكبوت]. بمعنى أنه لم يؤمن من قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا لوط، ثم نجد أنّ الله ابتعثه رسولاً بجانب رسول الله إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وقال الله تعالى: {وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿133﴾ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ﴿134﴾ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ﴿135﴾ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ ﴿136﴾} صدق الله العظيم [الصافات].
وهل نجّى الله رسوله لوط عليه الصلاة والسلام إلى مكة وحده وآل بيته؟ بل أنجاه مع خليل الله إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وقال الله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴿71﴾} صدق الله العظيم [الأنبياء].
ونستنتج أن كذلك الفتية الذين آمنوا برسول ربهم فزادهم الله هُدًى قد جعلهم رسلاً مع رسول ربهم وهم أصحاب الكهف الذين آمنوا برسول ربهم إلياس ثم جعلهم الله رسلاً إلى جانب رسول الله إلياس وهم إدريس واليسع، وإنا لصادقون.
ويا مُشبب لقد أقمنا عليك الحُجة بالحقّ إن كُنت تريد الحقّ وإن أبيت فسوف أوجه لك سؤال ونريد الإجابة عليه وهو:
لقد وجدنا أن الرُسل الثلاثة لم يؤمن بهم من قومهم إلا رَجُلٌ واحدٌ ثم قام قومه بقتله، فوجدنا أين ذهب: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس:26]، فصار في الجنة وأهلك الله قومه جميعاً وصاروا في النار، وبقي معنا الرُسل الثلاثة من القوم جميعاً فأين ذهبوا يا مُشبب؟ بل أفتيناك بالحق وإنا لصادقون والكذب حباله قصيرة، أليس الصبح بقريب؟ ألم أفتٍكم أنهم وزراء المهديّ المنتظَر؟ فهل جُننت فليس بيان أصحاب الكهف بهينٍ فكيف أُغامر فأقول غير الحق فأخسر أنصار دعوتي فيذروني وحيداً فريداً والعياذ بالله! ألم نُنبئكم بموقعهم وقصتهم وأسماءهم وعنوانهم وأين يكون كهفهم؟ أفلا تسل نفسك من أخبرني بذلك؟ فكيف يمكن أن يُغامر ناصر محمد اليماني بالتبليغ بعنوانهم ما لم يعلم ذلك علم اليقين؟ فما خطبك يا رجل تُريد أن تكون للحقّ عنيداً فيعذبك الله عذاباً شديداً.
وأنا المهديّ المنتظَر أذكّر بالقرآن المجيد من يخاف وعيد، وأذكرهم ببئس الله من جهنم التي يقول لها: {هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴿30﴾} صدق الله العظيم [ق].
فلا تكن لآيات الله عنيداً إني لك لمن الناصحين، وعليك أن تعلم إنما أصحاب الكهف من آيات الهُدى والتصديق والعجَب لكافة العجم والعرب. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ مَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ﴿17﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
فصبرٌ جميلٌ، فلا تحسبني يا مُشبب من الساذجين، ولتعلمن نبأه بعد حينٍ، وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين..
خليفة الله وعبده الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
ـــــــــــــــــــــــ